أما الصفة الثانية: والتي هي من أخطر ما يحذّر منه الإسلام هي الهوان، هي الذل، هي الضَّعَة. وكم وكم أناس التبست عليهم الصفة المحمودة الأولى بهذه الصفة المذمومة الثانية. الإسلام الذي شرّفنا الله عز وجل به يسمو بالإنسان صُعُداً فوق مستوى الهوان لا يريد له الهوان، يرتفع به صُعُداً فوق مستوى الضَّعة، لا يريد ربنا للإنسان الضَّعَة بشكل من الأشكال، لا يريد الباري سبحانه وتعالى من الإنسان أن يركن إلى الذل، كيف، وهو الذي قال الله عز وجل عنه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 17/70]. لاحظوا أيضاً أيها الإخوة كم وكم يحذّر بيان الله سبحانه وتعالى الإنسان ولاسيما المسلم من أن يركن إلى الهوان، من أن يركن إلى الضَّعة والذل لغير الله سبحانه وتعالى. انظروا وتأملوا في قول الله سبحانه وتعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَما اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ} [آل عمران: 3/146] تلك هي صفات عباد الله الربانيين ونحن منهم إن شاء الله تعالى. انظروا إلى قوله عز وجل: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 3/139] تأملوا في قول الله سبحانه: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران: 3/28]. هل لاحظتم الفرق أيها الإخوة بين الصفتين؟ هل لاحظتم الفرق بين الرفق، اللين، الإنسانية، الأخلاق السامية، الشفافية الروحية، وبين الضَّعَة والهوان والذل؟ فرق كبير؟
الصفة الأولى؛ جاء الإسلام ليربِّيَنا عليها، وليدعونا إليها. أما الصفة الثانية فإنما جاء الإسلام ليكرِّمَنَا بأن يرتفع بنا عن وَهْدَتِها.
إذا تبين لنا هذا أيها الإخوة فاعلموا أن هذا الذي يُنْعَت به الإسلام والمسلمون اليوم من قِبَل أناس عرفنا ولم يعد الأمر سراً أنهم يخططون للقضاء على الإسلام. إذا لاحظنا كم وكم وكم تتكرر تُهمة إلصاق الإرهاب، العنف، الغِلظة، القسوة بالإسلام، إذا لاحظتم هذا فاعلموا أنها خِطة، وأن هذه الخطة تهدف إلى شيء ينبغي أن نكون على بينة منه، هؤلاء الذين يقولون هذا عن الإسلام ليسوا عُمياً، إنهم يعلمون أن الإسلام بريء منه، إنهم يعلمون أن الإسلام هو الذي يجسد أعلى درجات الأخلاق الإنسانية المثلى. وهم الذين يعلمون قبلنا أن أجدادهم وأسلافهم إنما تعشقوا الإسلام فدخلوا في رحابه لهذه المزية الإنسانية التي فيه. ولكنهم يَتَعَامَوْن عن هذه الحقيقة التي يعلمونها. أفتعلمون لماذا؟ هنالك عدة أسباب. لكن من أهم هذه الأسباب. من أهم أسباب تكرير هذه التهمة الكاذبة التي يكررونها صباح مساء، الإسلام دين الإرهاب، دين العنف، دين الغِلظة والقسوة. والمسلمون إنما هم مظهر لهذا الإسلام الذي كان من شأنه كذا وكذا. هدفهم من ذلك أن يستنزلوا ضِعاف النفوس من المسلمين من مرتبة العزة والكرامة إلى مستوى الهوان والضَّعَة، ثم أن يستنزلوهم إلى المزيد فالمزيد فالمزيد حتى يصبحوا عبيداً لهم. أعرفتم الحكمة أيها الإخوة؟
في المسلمين ويا للأسف أناس يعانون من ضعف النفس، يعانون من المعنى الذي حذّر رسول الله المسلمين منه إذ قال: ((لا يكن أحدكم إمَّعة)). يعانون من هذا الوصف، يصغون إلى ما تقوله أمريكا أو غير أمريكا عن الإسلام والمسلمين صباح ومساء، وتطرق الكلمة أسماعهم؛ المسلمون إرهابيون، والإسلام دين الإرهاب، دين العنف، ضَعْفُهم يحملهم على أن ينفضوا أنفسهم وإنسانيتهم من هذه الصفة. كيف ينفضون أنفسهم منها؟ بأن يُنْزِلوا أنفسهم من برج الكرامة التي رفهعم الله إليه، بأن يُنْزِلوا أنفسهم من هذا المستوى شيئاً فشيئاً فشيئاً ليلتصقوا بوادي الضَّعَة والهوان الذي حذَّر الله سبحانه وتعالى منه.
ومن هنا تنظر إلى هؤلاء المسلمين؛ ضِعاف النفوس، الذيليين، تنظر فتجد أن الواحد منهم ترتعد فرائصه هلعاً ويتصرف بكل ما يمكن أن يُبَرِّئه من العنف، أن يُبَرِّئه من الإرهاب حتى تزول هذه التهمة عنه. وكيف السبيل إلى ذلك؟ أن ينزل إلى مستوى الهوان، بل ربما إلى مستوى العبودية. وإن لم يُعْلَن اسمها. أجل. ومن هنا فإن هؤلاء الناس يصبحون جنوداً لأولئك الأعداء، إن اقتضى الأمر أن يخونوا أمتهم خانوها. إن اقتضى الأمر أن يبيعوا مبادئهم بعَرَض من الدنيا قليل باعوها، إن اقتضى الأمر أن يُسَالموا أعداءهم الذين يستلبون الحقوق ويستعمرون الديار ويقَتِّلون البُرآء فعلوا ذلك. إن اقتضى الأمر أن يُعِيْنوهم بالوقود من أجل أن يستعينوا بذلك لمزيد من التقتيل والتنكيل فعلوا ذلك. لماذا؟ لكي لا يُنْعَتوا بالإرهاب، لكي لا يُنْعَتوا بالعنف. هذه الظاهرة أيها الإخوة هي مظهر ضَعف نفسي أولاً، وهي أثرٌ من أثر الاستعمار النفسي. ورحم الله من قال: إن المشكلة لا تكمن في أن يستعمر عدوٌ أرضاً للمسلمين، إنما المشكلة في أن تكون نفوس المسلمين مُسْتَعْمَرة.
هنالك نفوس مُسْتَعْمَرة يا عباد الله. ولقد علم الله عز وجل الحكيم الرحيم، علم الله عز وجل أن في الناس من قد تلتبس عليهم الأمور، تلتبس عليهم العزة التي يأمرنا الله سبحانه وتعالى بأن لا ننزل من عليائها مع الإنسانية والرفق واللين والأخلاق الحميدة التي أمرنا الله عز وجل أن لا نتسامى فوقها. علم الله أن في الناس من قد يلتبس عليهم هذا بذاك. أو أن في الناس من يعانون من الضعف والهوان النفسي، فأرشدنا بيان الله عز وجل إلى هاتين الصفتين، أمرنا بالأولى وحذَّرَنا من الثانية. وأكَّد لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يقول: ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمور كلها)) هو ذاته الذي يقول: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، اِستعن بالله ولا تَعْجَز)). هذا الأمر الذي وضَعَنا الله عز وجل منه أمام ميزان دقيق ينبغي أن نكون على بينة منه. هذه الكلمة تتكرر على أسماعنا صباح مساء؛ نسبة الإسلام إلى الإرهاب، نسبته إلى العنف وما إلى ذلك من كلمات، ما ينبغي أن يحملنا ذلك على أن نستشعر أننا نقف من هذا الكلام في قفص اتهام، وأننا مُتَّهَمون، وأن علينا أن ننفض أرديتنا وكواهلنا ونفوسنا من هذه التهمة، وكيف ننفضها؟ بأن ننزل ثم ننزل إلى قاع الذل والهوان ونصبح ذيليين تَبَعاً لأولئك الناس، بل نصبح عبيداً وإن لم نُسَمَّ بالعبيد. ألا ترون إلى أكثر التصرفات التي يتصرفها كثير من العرب والمسلمين في هذه الأيام؟! يعقدون الندوات والمؤتمرات في كل مناسبة ليؤكِّدوا أنهم ليسوا إرهابيين، وليؤكدوا أنهم ليسوا عنيفين، والدليل على ذلك أننا مستسلمون لما تحبون، أننا لا نقول كلمة مرعبة في وجه أعدائنا، أننا نستسلم للعدوان، أننا نُعِيْنُهم على عدوانهم، أليس هذا كافياً؟ أليس هذا داعياً إلى أن تُقْلِعوا عن اِتهامكم لنا؟ هل هنالك ضعف أشدُّ من هذا الضعف؟ هل هنالك هوان أبلغ من هذا الهوان؟
ولماذا الإسلام أيها الإخوة؟ الإسلام تاج تَوَّج الله عز وجل به رأس الإنسانية ليستشعر الإنسان بعزته، بكرامته. ومنبع الكرامة في الإسلام عبودية الإنسان لله. أنا عبد لمولاي، أنا عبد لواحد لا ثاني له، عبوديتي له، هواني له، ذلي له، أما الآخرون فهيهات هيهات أن يطمعوا بأي هوان مني لهم، هيهات أن يطمعوا بأي ذل أو تبعية لهم، من علم أنه عبد الله كان عزيزاً في رحاب الدنيا كلها، ولو أن هؤلاء الناس توَّجوا رؤوسهم بل قلوبهم بتاج العبودية لله لما هانوا ولما استكانوا كما حذَّر الله عز وجل في محكم تبيانه. ليت شعري ألم يقرأ هؤلاء الناس القرآن؟ {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَما اسْتَكانُوا} [آل عمران: 3/146]. ديننا يرفض الاستكانة، ديننا يركل التبعية، ديننا يركل الهوان. وفي الوقت ذاته ديننا دين الرفق، دين الصلاح بدلاً من الإفساد، دين الأخلاق الإنسانية الحميدة، دين شفافية الشعور والروح، هذا هو الإسلام أيها الإخوة.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح حال المسلمين حتى يستجيب دعاءنا فينتصر للمسلمين. أسأل الله عز وجل أن يُطَهِّر أرض الإسلام من الخيانة، أسأل الله عز وجل أن يطهر أرض الإسلام من المهانة، من التبعية الذليلة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.